شحيم في التاريخ: قرية بيزنطية تتخفّى بين تلال إقليم الخروب
يخفي موقع الآثار الذي يعرف بإسم “القصر الروماني في شحيم”، تاريخاً طويلاً وروائع مهمة عن عاصمة إقليم الخروب شحيم، ومنطقة الاقليم الغنيّة بالآثار والمعالم التاريخية، حيث مازالت تختزن أرض الاقليم ثروات أثرية وقيمة تراثية لا تقدر بأثمان، وغالبيتها مازالت مدفونة تحت أنقاض الآثار وفي إنتظار من يكشف عنها، حيث تمتد جذورها الى الحقبتين الرومانيّة والبيزنطيّة، مما تجعل من باطن الأرض في الاقليم تحمل وتحتضن خفايا وأسرار ومسيرة تطور الحياة في منطقة كانت موطئ قدم للعهود التي تعاقبت عليها وصولاً حتى تاريخنا المعاصر، وهذا ما أكدت عليه وكشفته أعمال التنقيب والحفريات في بعض المواقع والمعالم الأثرية في الاقليم، كشحيم والجية وجون وعلمان ومزبود ودلهون ودير المخلص، والتي كشفت اعمال التنقيب والحفريات فيها عن جوانب مهمة من تلك الآثار وتاريخها، إنطلاقاً من الآثار التي خلفها الرومان والبيزنطيون، فأظهرت تلك الحفريات ان موقع قصر شحيم كان عبارة عن “قرية متكاملة” بكل مقوماتها الحياتية والإنتاجية، واستمر فيها السكن حوالي 700 سنة منذ تأسيسها في القرن الأول الميلادي مع وصول الرومان الى اقليم الخروب، حتى الفتح العربي في القرن السابع الميلادي. وتبين ان القرية شيدت على أنقاض معبد فينيقي، واكتشف فيها معبد روماني للأله “هليوبوليس” (الشمس) وكنيسة بيزنطية مرصوفة بالفسيفساء، وثلاث معاصر للزيتون، وبيوت للسكن وشوارع ومخازن ومدافن مع كميات كبيرة من الادوات والأواني الفخارية والنقود الرومانية والبيزنطية، بالإضافة ما اكتش مؤخراً عن تمثال من البرونز لإله يجلس على العرش، ويرجح ان هذا التمثال يعود تاريخه إستناداً الى المقارنة مع قطع بروزية مماثلة الى الفترة الممتدة ما بينالعصر البرونزي الحديث والعصر الحديدي الأول .
هذه المكتشفات الهامة والقيمة، والتي فاجأت الجميع في المنطقة، الى جانب وزارات الدولة والهيئات المعنية بالآثار، لم تأخذ حقها من الأهمية والإبراز على المستوى الرسمي، فأهملت لسنوات طويلة بسبب الأوضاع غير المستقرة التي كانت سائدة في البلاد، فتعرضت للنهب والتخريب، وساهمت عوامل الطبيعة من تهالكها، الا أنها بقيت صامدة وشاهدة على التاريخ وفي إنتظار من يعيد اليها الروح كغيرها من الآثار في بقية المناطق اللبنانية، والتي تحولت الى محج للزوار والسياح.
وبحسب المراجع والدراسات والابحاث والتنقيب ان اقدم الآثار المكتشفة في شحيم تعود الى عهد الفينيقيين الذين وجدت آثارهم في ضواحي شحيم القديمة لجهة الشرق، وقد عثر فيها على هياكل عظمية داخل جرار كبيرة، مع قطع فخارية وأدوات برونزية، بالإضافة الى عدد كبير من المغاور والكهوف والنووايس المحفورة في الصخور . ولعل أهم أثار اقليم الخروب، قصر شحيم الذي يقع عند الطرف الشمالي للبلدة على طريق البرجين – الدبية -السعديات، وتبلغ مساحته 700متر مربع، ويقع على كتف هضبة ذات طبيعة خلابة ترتفع عن سطح البحر600م. وقد تسلطت الاضواء عليه منذ القرن الماضي حين تحدث عنه أرنست رينان في بعثته الى فينيقيا في سنة 1864، الذي أعلم أحد مساعديه بوجود آثار لمعبد روماني في شحيم.
وفي القرن الرابع الميلادي أصبح لشحيم القديمة بازيليكا كبيرة، وقد زُيّنت أرضيتها بقطعة فسيفساء كبيرة رُسمت عليها أشكال حيوانات ونباتات وأرّختها كتابة باللغة اليونانية
الفسيفساء المسروقة عام 1999
عثرت البعثة البولندية على قطعة فسيفساء فريدة من نوعها، تُزيّنها كتابات يونانية كانت تغطي أرض البازيليكا. وما إن أنهت أعمالها وأعلنت الاكتشاف حتى سُرقت القطعة من داخل الموقع. وبدأت التحقيقات، وبعد أشهر عثرت الأجهزة المختصة على القطعة الفنية وأعادتها الى البعثة، لكن إعادة الفسيفساء الى مكانها الأصلي لم تعد ممكنة، فالطريقة التي اعتمدت لسحبها، بهدف سرقتها، كانت سيئة للغاية. فاللصوص استعملوا أنواعاً سيئة جداً من الصمغ وقاموا بلف الفسيفساء وكأنها قطعة من السجاد، الأمر الذي أدى الى وقوع عدد هائل من الحجارة الصغيرة التي تؤلفها، وسيقع كل ما بقي منها إذا حاول المختصون بسط الفسيفساء على الأرض. الحل الوحيد الذي يمكن اعتماده هو بسط الفسيفساء واستعمال حجارتها القديمة في إعادة الرسم.